بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 10 فبراير 2014

التسويق الإلكتروني – بين الواقع الافتراضي والافتراض الواقعي

التسويق الإلكتروني – بين الواقع الافتراضي والافتراض الواقعي

عبد خولي (*)
لا يتفق أصحاب الاختصاص على تعريف موحد للتسويق فهناك الوصف الأكاديمي أو المثالي ولكن التعريف العملي هو ما يتم تطبيقه على أرض الواقع (سواء كان واقعا حقيقيا أو افتراضيا). ويمكن تعريف التسويق لغايات هذا المقال بأنه "مجموعة من النشاطات الإنسانية الهادفة إلى تسهيل تبادل المصالح بين طرفين"، ولا نريد التوسع في الحديث عن النشاطات وطبيعتها وإدارتها، أو المصالح وأنواعها أو التبادل وأدواته وكونه مجديا للطرفين أو محابيا لطرف على حساب الآخر وما هي طبيعة هذه الأطراف، ففي أدبيات التسويق بغية الطالب وضالة الباحث.
وبالتفكير مليا في طبيعة التسويق، نلاحظ أنه قديم قدم الإنسانية، وإن كان قد تطور بشكل ملحوظ منذ الثورة الصناعية وطرأت عليه تحولات سريعة في عصر المعلوماتية والاتصالات والتطورات الإعلامية. وإذا استثنينا النشاط التسويقي الأول زمن آدم عليه السلام، كما جاء في الكتب السماوية، لعدم توفر العنصر الإنساني في أحد طرفي المصلحة، نستطيع أن نرجع بدايات التسويق للترويج الفكري كما يتجلى في دعوة الأنبياء ومقاومة أصحاب المصالح ومحاولة التأثير على البسطاء أو في الصراع على أحقية المجتمعات في الموارد الطبيعية أو الترويج للمهارات والصفات الشخصية والمجتمعية القبلية، وذلك بالوسائل اللفظية حيث لم تكن الكتابة متدوالة.
ثم كانت الكتابة المسمارية واستخدمت الرموز والرسومات للتواصل ونقل الرسائل التسويقية مرورا بالكتابة الهيروغليفية وتنوع أشكال التسويق ونقلها من النقش على جدران الكهوف إلى المنازل الجديدة أو الألواح المتحركة - جرائد العصور الغابرة.
ومع تطور الكتابة واستخدام الحروف، ظل التواصل اللفظي أحد أهم وسائل التسويق للسلع وخاصة الملابس والأسلحة وبعض الكماليات كأدوات الزينة حيث يزخر الشعر العربي بذكر "الماركات" المحلية والإقليمية والعالمية من السيوف والرماح والثياب والخمور والعطور وغيرها. وكانت الأسواق الموسمية بمثابة المعارض التجارية المبسطة، كما كان يتم التنسيق للتبادل التجاري على النطاق الإقليمي، كالتجارة بين الشام والحجاز، أو الدولي كما يشهد على ذلك طريق الحرير الذي كان يصل الصين بأوروبا.
وقد ساهمت مطبعة جوتنبرغ، منذ العام 1450، في سرعة إنتاج المطبوعات بعد أن كان النسخ اليدوي هو الوسيلة المتوفرة للنشر. كما ساعدت الثورة الصناعية، منذ العام 1750، على التطور التسويقي من خلال تطور وسائل الإنتاج وتكدس السكان في المدن والمراكز الصناعية دون توفر السلع الاستهلاكية من مصادرها المباشرة وفي ظل الافتقار إلى الروابط الاجتماعية والتي كانت تشكل إحدى قنوات التسويق الطبيعية. وقد تنوعت القنوات التسويقية وتعددت مع تطور وسائل الاتصال من المطبوعات والصحف والمجلات والنشرات التسويقية إلى المذياع والتلفاز ثم الهاتف والرسائل البريدية.
ومنذ العام 1990، ومع بدء انتشار الإنترنت، تم استخدام الفضاء الإلكتروني كوسيلة تسويق إضافية عبر القناة الناشئة ولكن بطرق بدائية حيث كان الاعتماد على الرسائل البريدية الإلكترونية بشكل عشوائي وتطفلي. ثم تم الانتقال إلى الإعلان على الصفحات والمواقع الإلكترونية وكذلك على البرامج المجانية كبعض برامج تصفح الإنترنت والبرامج الخدمية والألعاب ومواقع البريد الإلكتروني المجاني. كما تطورت أشكال التسويق وخاصة طبيعة الإعلانات حيث بدأت تأخذ الشكل التفاعلي بعد اقتصارها على النصوص والصور الثابتة، وتم الإرتقاء بأساليب توجيه الإعلانات للمستخدمين حسب الاهتمامات وسياق مكان الإعلان والموقع الجغرافي وبعض المعلومات الشخصية التي أمكن الحصول عليها. وفيما عدا وصول الإعلانات إلى الهواتف المتحركة والأجهزة المحمولة وحتى بعض الأجهزة المنزلية الأخرى، يتركز الاهتمام الآن على العودة الى الوراء واستخدام التكنولوجيا كوسيلة فقط في جمع المعلومات وتحليلها واستقطاب المستهلكين بذكاء أو دهاء أو كليهما معا باستخدام الروابط الاجتماعية والمجتمعية، فقد أصبحت الكتابة على الجدران (كما في فيسبوك) من الوسائل التسويقية للذات أو السلع وكذلك الحال في "تغريدات تويتر" وها هو تاريخ التسويق يعيد نفسه من جديد.
وفيما يتعلق بالإعلان الإلكتروني المدفوع، تتوفر ثلاثة خيارات أساسية للتسعير هي التكلفة لكل ألف مشاهدة (Cost Per Milli or CPM) والتكلفة لكل اختيار (Cost Per Click or CPC) والتكلفة لكل خطوة عملية نحو الشراء (Cost Per Action or CPA). ويعتبر الخيار الثالث أحدثها وأنجعها للمعلنين بينما لا يتجاوز استخدم الخيار الأول نسبة 2 بالمائة هذه الأيام. فالتكلفة لعدد المشاهدات لا تأخذ بعين الاعتبار إذا كان المستخدم قد شاهد الإعلان فعلا (سواء بالنظر إليه أو حتى ظهوره في مكان بارز على الشاشة دون الحاجة إلى تعديل شريط التمرير لنافذة المتصفح حسب مكان الإعلان ودقة الشاشة). أما التكلفة لكل اختيار فتعتمد على التأكد من قيام المستخدم بتفعيل رابط الإعلان وقد يكون ذلك بدافع الاهتمام أو الخطأ أو حتى تعمّد تفعيل الرابط من قبل المنافسين أو المستفيدين من ريع الإعلانات. وتعتمد شركة جوجل على الإعلانات في محرك البحث وعلى شبكة المحتوى التي يتم وضع الإعلانات عليها ضمن استراتيجية التسويق من خلال السياق (محتوى صفحة الإعلان، كما في عرض إعلان نادي لياقة بدنية على صفحة رياضية في الصحف المحلية) والموقع الجغرافي ومحور الاهتمام إلى حد ما (عن طريق تحليل رسائل البريد المجاني مثلا)، وكذلك الحال بالنسبة للشركات الإعلانية الأخرى بما في ذلك فيسبوك وتويتر والبوابات والوكالات الإعلانية الأخرى ومواقع البحث مثل Yahoo و Bing، وتتمتع الشبكات الاجتماعية بقدرة توجيه إعلانية متقدمة بسبب البيانات الديموغرافية الشخصية (كالسن والجنس والتخصص والعنوان وغيرها) والمحتوى وعلاقات المشتركين التي تملكها.
أما الخطوات العملية نحو الشراء فتتمثل بقيام المستخدم المهتم بالتواصل مع المعلن من خلال الدخول إلى الموقع أو تعبئة استمارة أو إرسال بريد ألكتروني أو الشراء الفعلي للسلعة أو الخدمة، وقد بدأت جوجل وفيسبوك بتوفير هذا النوع من الإعلان وكانت المتاجر الإلكترونية سباقة في هذا المجال (كما هو الحال في مروجي السلع من أمازون وغيرها).
لقد تطورت عملية توجيه الإعلان كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية سواء من ناحية التوجيه الجغرافي استنادا إلى خريطة عناوين الإنترنت الخاصة بالمستخدمين (IP Address) أو الموقع الحقيقي إذا توفر (كما هو الحال في مشتركي البوابات الاجتماعية) أو محور الاهتمام عن طريق المواقع التي تصفحها المستخدم أو كلمات البحث أو ما يتم تخزينه على جهاز المستخدم أو الإعدادات الخاصة ببعض البوابات بما في ذلك خدمات جوجل، كما يتم تحليل واستخدام المعلومات الشخصية والإهتمامات والمحتوى (كالتعليقات والبريد والتغريدات) كما في فيسبوك وتويتر وجوجل+ وغيرها. ويتم الآن استخدام التوجيه (أو التأثير) الاجتماعي حيث يقوم الأصدقاء والمعارف والأقرباء بالدعاية لسلعة أو خدمة معينة (أو ضدها) إما بدافع التسلية والتطوع أو بدفع ثمن الجهود الدعائية.
والسؤال المطروح هو: ما مدى فاعلية ونجاعة الإعلان الإلكتروني؟ وهل يمكن أن ينجح التسويق الإجتماعي والمجتمعي كما كان سابقا؟ وما سر الإنفاق على الإعلان الإلكتروني بهذا الكم؟ وهل القيمة المالية لمزودي خدمات التسويق الإلكتروني حقيقية؟ أم أننا نعيد تاريخ فقاعة الإنترنت التي انطفأت قبل بضع سنين؟ إن الإعلان الإلكتروني يعيد قصة البريد غير المرغوب به والذي كان قد تم استهلاكه حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، وقد تفاعل المستخدمون لفترة بسيطة مع الإعلان التفاعلي قبل أن يصبح مصدرا للإزعاج الإلكتروني وشيئا يتجنبة متصفحو الإنترنت المتمرسون بطريقة فطرية وكأنه الزائر ثقيل الظل الذي يقتحم شاشات الحواسيب والهواتف النقالة وغيرها من المساكن الإلكترونية. وفي إحصاء بسيط، لا يتجاوز معدل التجاوب مع الإعلان الإلكتروني نسبة 2 بالمائة في إعلانات جوجل ومحركات البحث وهو أقل بكثير في فيسبوك وهذا رقم ضئيل نسبيا. ولا يعني هذا أن بعض الحملات الإعلانية لا تحقق نسب اختراق أفضل، فهذا يعتمد على فاعلية الإعلان وتوجيهه والفئة المستهدفة. وفي تجربة عملية على إعلانات جوجل بلغت نسبة الاستجابة 1.4 بالمائة لعينة من عشرين ألف مشاهدة. ولهذا فقد استعاض مزودو الخدمات الإعلانية عن التآكل في ريع التسويق الإلكتروني باستغلال الحاجة الترويجية لمزودي السلع والخدمات، فأصبح توجيه الإعلان بالمزايدة بين المعلنين المتنافسين على جمهور آخذ بالتناقص، كما يستمر "التطوير" في القنوات التسويقية ولو اقتضى ذلك العودة إلى أساليب العصر الحجري.
أما في فلسطين، والتي وصلها الإعلان الإلكتروني متأخرا، فلا زال إعلان المشاهدة (CPM) هو الصفة الغالبة على معظم مواقع الإعلان المحلية كالمواقع الإخبارية والأدلة ومواقع الترفيه، وقد يعود ذلك لعدم توفر البدائل الأخرى ونقص الوعي لدى المعلنين أو الإعلان لمجرد المنافسة أو المحاكاة أو تثبيت العلامات التجارية في أذهان الزوار. وإذا استثنينا المواقع العاملة لصالح الشبكات الإعلانية مثل جوجل، فإن المواقع المحلية ما زالت تبيع المساحات الإعلانية وكأنها جريدة أو مجلة، وإن كنا نلحظ بعض التوجه نحو التسويق الاجتماعي باعتباره "الموضة الدارجة" حاليا.
وأخيرا، لا يزال مستقبل التسويق الإلكتروني ضبابيا، وقد تتجه الشبكات الاجتماعية نحو التقزم أو الانقراض بفعل التشظي والتنافس واقتحام سيول الرسائل الإعلانية لنوافذ وجدران "الفسابكة" وتشويشها على "تغريدات تويتر" وغيرها، مع تراكم الأزمة المالية العالمية، فليست هناك وجبات مجانية حتى في الواقع الافتراضي، وعندما تعجز عائدات هذه المواقع (المالية والأمنية) عن تشغيلها وتوفير هامش ربحي مناسب يصبح افتراض انقراضها واقعيا في ظل انعدام حلول إبداعية جديدة. ولهذا ينبغي الاقتصاد في التعامل مع هذه الشبكات انتماء واستثمارا ومتابعة، وخاصة ما يتم تقديمه من البيانات الشخصية وما يتم تداوله من محتوى، فصديق اليوم قد يصبح لعنة الغد ولا يجدي عض الأصابع حين لا ينفع الندم.

ليست هناك تعليقات: