بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

تعريف التحكيم التجاري الإلكتروني

تعريف التحكيم التجاري الإلكتروني(1)



إن انتشار التجارة الإلكترونية ساهم في ازدياد المنازعات التي تنشأ عنها، الأمر الذي أدى إلى البحث عن وسائل بديلة لحل تلك المنازعات تتماشى مع طبيعة وسرعة الحياة التجارية الإلكترونية، ذلك أنه من الصعوبة بمكان اللجوء إلى القضاء لحل المنازعات التي تنشأ عن التجارة الإلكترونية بسبب طبيعة هذا النوع من التجارة، وكذلك لا يحبذ ممتهنوا التجارة الالكترونية حل هذه المنازعات عن طريق التحكيم التقليدي بسبب عدم سرعته بدرجة كافية تناسب التجارة الإلكترونية فظهر تبعاً لذلك التحكيم التجاري الإلكتروني. 
لقد فتحت التجارة الإلكترونية الباب واسعاً أمام انتشار التحكيم التجاري الإلكتروني كوسيلة من الوسائل البديلة في حل المنازعات التي تنشأ في هذا النطاق(2)، وسواء أكان هذا النزاع ناشئ عن التجارة الإلكترونية، أما كان ناشئ عن العقود التي تبرم بطريقة تقليدية.
لكي نستطيع فهم الدور الذي يلعبه التحكيم التجاري الإلكتروني في الحياة التجارية المعاصرة، لا بُد لنا من البحث عن تعريف جامع مانع له، بحيث يحدد نطاق المعاملات التي يمكن أن يشملها هذا النوع من التحكيم.



أولاً الخلاف الفقهي حول التعريف

يوجد خلاف فقهي عميق بين رجال القانون حول وضع تعريف محدد للتحكيم التجاري الإلكتروني، لكن مجمل هذه الآراء يمكن رده إلى اتجاهين فقهيين، بحيث يرى أنصار الاتجاه الأول أن التحكيم التجاري الإلكتروني ما هو إلا تحكيم تقليدي يتم عبر وسائل اتصال حديثة بغض النظر عما إذا كان النزاع موضوع التحكيم ناتجاً عن أعمال التجارة الإلكترونية أو التجارة التقليدية، ويرى أصحاب هذا الاتجاه الموسع أن التحكيم التجاري الإلكتروني طريقة لحل المنازعات التجارية تتم فيها الإجراءات – أو بعضها بحسب الحال - عبر شبكة الانترنت بواسطة أي وسيلة اتصال حديثة، وأيضاً يمكننا تعريف التحكيم التجاري الإلكتروني بحسب أنصار هذا الرأي بأنه وسيلة لفض المنازعات بين الأطراف نتيجة نشاط تجاري ويقوم على اتفاقهما بطرح النزاع على شخص أو أكثر ليقوم بالفصل في النزاع بإصدار حكم نهائي ملزم، ويتم باستخدام وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على تقنية المعلومات والاتصالات، والتي تتمثل على وجه الخصوص بشبكة الانترنت(3).

ينتج عن الأخذ برأي هذا الفريق أنه يمكن اللجوء للتحكيم التجاري الإلكتروني سواء كان النزاع موضوع التحكيم ناتجاً عن أعمال التجارة الإلكترونية أو التقليدية طالما أن إرادة الأطراف اتجهت إلى ذلك، أي أن التحكيم التجاري الإلكتروني ما هو إلا تطور طبيعي للتحكيم التجاري التقليدي وبالتالي ينطبق عليه ما ينطبق على التحكيم التجاري التقليدي من قواعد ومبادئ إلا ما كان مخالفاً لطبيعة التحكيم الإلكترونية، على أنه لا يشترط أن تتم جميع مراحل التحكيم عبر الوسائل الإلكترونية.

أما أنصار الاتجاه الثاني فهم يرون أن التحكيم التجاري الإلكتروني هو تحكيم غير تقليدي، يضاف لذلك أن له قيدان، القيد الأول أن تتم جميع إجراءات التحكيم من الاتفاق على التحكيم إلى صدور حكم التحكيم عن طريق الوسائل الإلكترونية الحديثة، والقيد الثاني أن يكون النزاع موضوع التحكيم ناتجاً عن عمليات التجارة الإلكترونية أو بسببها فقط، وبحسب أنصار هذا الاتجاه المضيق يمكننا تعريف التحكيم التجاري الإلكتروني بأنه نظام قضائي الكتروني خاص مؤداه تسوية المنازعات التي تنشأ أو من المحتمل نشوئها إلكترونيا بين المتعاملين في التجارة الإلكترونية بموجب اتفاق بينهم يقضي بذلك(4)،وأيضاً يمكننا تعريفه بحسب أنصار هذا الرأي بأنه كل تحكيم يتم عبر الانترنت أو أي وسيلة الكترونية أخرى لفض المنازعات التجارية الإلكترونية بحيث يتم عرض النزاع والسير في إجراءاته وإصدار القرار وتبليغه بطريقة الكترونية(5).

وينتج عن الأخذ برأي هذا الفريق أنه لا يمكن اللجوء إلى التحكيم التجاري الإلكتروني إلا بسبب نزاع ناتج عن التجارة الإلكترونية، وأن تكون جميع مراحل التحكيم بوسيلة الكترونية باعتبار أن التحكيم الإلكتروني جاء نتيجة انتشار التجارة الإلكترونية والتي لها سماتها الخاصة وبيئتها المختلفة عن بيئة التجارة التقليدية، وبالتالي لا يعتبر التحكيم الإلكتروني تطوراً للتحكيم التقليدي وإنما هو وسيلة بديلة لفض المنازعات التي ظهرت بظهور التجارة الإلكترونية.




ثانياً تعريفنا للتحكيم التجاري الإلكتروني




باعتقادنا أن موقف الفريق الأول أقرب للصواب لناحية جواز اتخاذ التحكيم التجاري الإلكتروني وسيلة لحل النزاع بغض النظر عن أساسه، لأنه وإن كان التحكيم التجاري الإلكتروني ظهر بظهور التجارة الإلكترونية إلا أنه لا يوجد ما يبرر منع أصحاب المصلحة من اللجوء إليه، كما أنه وعلى أرض الواقع لا يمكن منع الأطراف من اللجوء إليه، فلو أن تاجرين قد اتفقا على حل الخلاف الناتج عن عملهما التقليدي باللجوء إلى التحكيم الإلكتروني، هل يوجد وسيلة تحول دون ذلك؟، خصوصاً أن اتفاق التحكيم أساساً ذو طبيعة عقدية، بما يعني ضرورة إطلاق مبدأ سلطان الإرادة وترك الأمر لأطراف النزاع وقضاتهم والوسيلة التي يختارونها(6).

في حين يبدو موقف الفريق الثاني أقرب للصواب فيما يتعلق بتأكيده على أن التحكيم التجاري الإلكتروني يجب أن يتم عبر جميع مراحله بوسائل إلكترونية منذ الاتفاق على التحكيم وحتى صدور حكم التحكيم وتبليغه، لأنه مع غير هذه الحال سيغدو من الصعوبة بمكان التمييز بين التحكيم التجاري الإلكتروني والتحكيم التقليدي الذي يتم فيه استخدام وسائل اتصال حديثة.


ونعتقد أن التعريف الأمثل للتحكيم التجاري الإلكتروني هو:" وسيلة لفض المنازعات التجارية، يعرض فيها الأطراف النزاع على طرف ثالث قد يكون شخصاً أو أكثر لإصدار حكم ملزم لهما، وتتم فيه جميع إجراءات التحكيم عبر وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على تقنية المعلومات والاتصالات(7)"(8).





المحامي محمد سامر حلو 
نقابة المحامين - سوريا - فرع حلب


__________________________________________________ _______________________

(1) تتعدد تسميات التحكيم الإلكتروني ومنها: (Arbitration Cyber) (Cyberation) (Cyberspace Arbitration) (Virtual Arbitration) ، انظر في هذا الصدد :
المحمد، عماد الدين، طبيعة وأنماط التحكيم مع التركيز على التحكيم عبر الانترنت، مؤتمر "التحكيم التجاري الدولي"، الامارات العربية المتحدة، أقيم بتاريخ 28 -30 أبريل 2008. 

(2) يجب أن نلاحظ أن كلمة بديلة لا تعني عدالة بديلة، فالعدالة لا يختلف معناها باختلاف الجهة التي تقررها.

(3) النعيمي، ألاء يعقوب، الإطار القانوني لاتفاق التحكيم الالكتروني، مؤتمر"التحكيم التجاري الدولي"، الامارات العربية المتحدة، أقيم بتاريخ 28 -30 أبريل 2008.ومن أنصار هذا الاتجاه يمكننا ذكر:
- الرومي، محمد أمين، النظام القانوني للتحكيم الإلكتروني، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2006، الطبعة الأولى، ص 93.
- مصطفى، ناطق صالح مطلوب، "التحكيم التجاري الإلكتروني"، مجلة الرافدين للحقوق،العدد 39، 2009، ص 146.
- ممدوح، إبراهيم خالد، التحكيم الإلكتروني في عقود التجارة الدولية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2008، الطبعة الأولى، ص248.
- أبو صالح، سامي عبد الباقي، " التحكيم التجاري الإلكتروني"، مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد 24، 2006، ص13

(4)الخالدي، إيناس، "التحكيم الإلكتروني وصراع العلم والقانون"، تاريخ الاطلاع 3/5/2012 ومتاح على الرابط الإلكتروني التالي:http://www.jo1jo.com/vb/showthread.php?t=33887 (http://www.jo1jo.com/vb/showthread.php?t=33887). 

(5)شمسه، رجاء نظام حافظ، الإطار القانوني للتحكيم الإلكتروني – أطروحة لنيل درجة الماجستير، نابلس- فلسطين، جامعة النجاح الوطنية، نوقشت بتاريخ 27/8/2009، ص 12.

(6)ويؤيد الطبيعة العقدية لاتفاق التحكيم كلٌ من:
- حداد، حمزة، التحكيم في القوانين العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007، الطبعة الأولى، ص 33-38
- بريري، مختار، التحكيم التجاري الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، الطبعة الأولى، ص 7-8

(7) يجب أن نعلم أن وسائل الاتصال الحديثة هي كل إرسال أو استقبال للعلامات والإشارات والخطوط المكتوبة، يستوي في هذا أن يتم الاتصال سلكياً أو لاسلكياً كما يستوي أن يتم الاتصال سمعياً أو بصرياً أو بأي نظام آخر، ومن أمثلة 
هذه الوسائل:الهاتف، التلكس، الحاسب الآلي والانترنت، وللتفصيل أكثر يمكن مراجعة المصدر التالي:
أبوالليل، ابراهيم الدسوقي، الجوانب القانونية للتعاملات الإلكترونية،مجلس النشر العلمي - جامعة الكويت، الكويت، 2003، الطبعة الأولى، ص 15-22

(8) ويتوافق مع هذا التعريف، تعريف الدكتور عمر فارس، للتفصيل انظر:
فارس، عمر، " التحكيم في عقود التجارة الإلكترونية "، تاريخ الاطلاع 1/5/2012، متاح على الرابط الإلكتروني التالي: http://www.law-uni.net/la/showthread.php?t=39092 (http://www.law-uni.net/la/showthread.php?t=39092)

ليست هناك تعليقات: