بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

التجارة الإلكترونية ومصالح الدول النامية

التجارة الإلكترونية ومصالح الدول النامية
المصدر: السياسة الدولية


أصبحت شبكة الإنترنت تمثل محورا أساسيا فى التجارة الدولية والداخلية لجميع دول العالم، خاصة المتقدمة منها، ووسيلة مهمة فى إنجاز اتفاقيات الأعمال، والإعلان، والتسويق، والتبادل التجارى، الأمر الذى أدى إلى انتشار وذيوع مفهوم وأدوات التجارة الإلكترونية على كافة المستويات العلمية والعملية. وقد أصبحت التجارة الإلكترونية تقوم بدور كبير فى إجراء وإتمام الكثير من المبادلات التجارية عبر الحدود بين الدول، وداخل حدود البلد الواحد، مما جعل الكثير من الشركات الكبرى والبنوك تعتمد عليها فى أداء أعمالها أو بعض المراحل منها على نطاق واسع، يشمل معظم مراحل المعاملات، مثل الإنتاج، والشراء، والبيع، والتحويلات المالية، والمدفوعات النقدية، والتفاوض، وتبادل المعلومات، والإعلانات التجارية.
أثبتت التجارة الإلكترونية نجاحها نتيجة لما شهده العالم من التقدم التكنولوجى الهائل، ومن المنتظر أن تكون إحدى الظواهر المميزة فى العقود المقبلة، حيث تشير الأرقام إلى ارتفاع حجم التجارة الإلكترونية إلى 103 مليارات دولار عام 2003 مقابل 1.8 مليار لعام 1997. وتوقعت دراسة قامت بها شركة IDC للأبحاث بأن حجم التجارة الإلكترونية سيصل بحلول عام 2010 إلى نحو 8 تريليونات دولار، اعتمادا على نسبة الزيادة السنوية فى عدد مستخدمى التجارة الإلكترونية حول العالم، والتى تسير بوتيرة 100 مليون مستخدم سنويا، وعدد مستخدمى الإنترنت الذى سيصل إلى نحو مليار مستخدم، وهو ما يعادل 15% من نسبة سكان العالم(1).
وبالنسبة لواقع التجارة الإلكترونية فى الوطن العربى، فالصورة تختلف إلى حد كبير عن باقى دول العالم، حيث إن العديد من الشركات العربية لا تزال بعيدة عن ممارسة التجارة الإلكترونية، ومتخلفة عن ركب التعاملات الإلكترونية. كما أن إجمالى الإنفاق العربى لا يزيد على 95 مليون دولار سنويا عبر التجارة الإلكترونية، وأكثر المتعاملين بالتجارة الإلكترونية تتركز مشترياتهم على شراء برامج وأجهزة الحاسب الآلى بنسبة تزيد على نحو 70%، بينما تتوزع النسبة المتبقية على الكتب والهدايا. تتم 80% من عمليات المشتريات العربية خارج المواقع العربية، وذلك بسبب ندرة المواقع العربية التى لا تمثل أكثر من 0.5% من مساحة الاستخدام على شبكة الإنترنت، ولذلك لا تتعدى قيمة التجارة الإلكترونية العربية 1.3 مليار دولار. وتشير التقديرات إلى أنه كى تلحق الدول العربية بالبلدان التى سبقتها فى هذا المجال، فيجب أن تنفق ما يزيد على 90 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة.
كما تشير الأرقام إلى أن منطقة الشرق الأوسط تضم أكثر من 60 مليون مستخدم للإنترنت، وأكثر من 80 مليون مستخدم للهاتف النقال، مما يجعلها سوقا ضخمة للتجارة الإلكترونية، والتجارة عبر الهواتف المتنقلة. ومن المتوقع أن تتجاوز معدلات نمو معاملات التجارة الإلكترونية نسبة 15% خلال السنوات القادمة، مدفوعة بمشاريع البنية التحتية، والتركيز الحكومى القوى على الخدمات الإلكترونية، والنمو السريع فى معدلات استخدام الإنترنت.
ورغم تطور حجم التجارة الدولية فى العالم، إلا أن المؤشرات توضح تركز النصيب الأكبر منها فى الدول المتقدمة، وضعف نصيب الدول النامية منها، حيث إن نحو 80% من حجم هذه التجارة فى العالم يتم فى الولايات المتحدة الأمريكية، و15% فى أوروبا الغربية، و5% فى بقية دول العالم، معظمها أو نحو 4% منها يتم فى اليابان. كما يشكل حجم التجارة الإلكترونية بين مؤسسات الأعمال فى هذه البلدان أكثر من 80% من حجم هذه التجارة(2).
خصائص التجارة الإلكترونية:
تعرف التجارة الإلكترونية بأنها مجموعة العمليات التجارية التى تتم عبر شبكة الإنترنت، وتشمل عملية ترويج وتبادل السلع والخدمات، وإتمام الصفقات باستخدام وسائل الاتصال وتكنولوجيا تبادل المعلومات الحديثة عن بعد، خاصة شبكة الإنترنت، وذلك دون الحاجة إلى انتقال الأطراف والتقائها وجها لوجه، سواء أمكن تنفيذ الالتزامات المتبادلة إلكترونيا، أو استلزم الأمر تنفيذها بشكل مادى. ولا تختلف التجارة الإلكترونية عن التجارة التقليدية كثيرا من حيث مضمونها وطبيعتها وهدفها، إلا أن لها خصوصية تتمثل فى وسائل وآليات مباشرتها والطريقة التى تعقد بها وكيفية تنفيذها. وقد عرفت منظمة التجارة العالمية التجارة الإلكترونية بأنها "مجموعة متكاملة من عمليات إنتاج وتوزيع وتسويق وبيع المنتجات بوسائل إلكترونية". كما تعرفها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى الدولى بأنها تتمثل بصفة عامة فى المعاملات التجارية التى تتم من قبل الأفراد والهيئات، والتى تعتمد على معالجة ونقل البيانات الرقمية والصوت والصورة من خلال شبكات مفتوحة أو مغلقة، ويعزز نشاط التجارة الإلكترونية انتشار استخدام وسائل الدفع إلكترونيا(3).
وتتميز التجارة الإلكترونية بسهولة توفير المعلومات عن السلع والخدمات من خلال شبكة الإنترنت، وارتفاع نسبة المصداقية والشفافية. وفى هذا الشأن، يشير إحصاء لمؤسسة التمويل الدولية إلى أن نحو 56% من الشركات العاملة فى الدول النامية تعتبر أن توفير المعلومات، خاصة عن السلع والخدمات، هو أهم ميزة للإنترنت. كما تعتبر أكفأ قناة للتوزيع بالاستناد إلى عنصرين أساسيين هما القدرة على النفاذ لمختلف الأسواق، والتكلفة المنخفضة للتبادل. وتتمثل الفائدة للمشترين فى حصولهم على معلومات جيدة، وتكلفة أقل للتبادل، وأسعار منخفضة، واختيارات متنوعة. وبالنسبة للبائعين، فإنهم يمكنهم الوصول إلى الأسواق العالمية، وإدارة مخزوناتهم بطريقة رشيدة، وتحقيق تخفيض فى الأسعار. وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة شراء البرمجيات من خلال شبكة الإنترنت تبلغ ما بين 0.2 و0.5 دولار لكل معاملة مقابل 5 دولارات للطلب من خلال الهاتف ونحو 15 دولارا لكل معاملة عند البائع بأسلوب التجزئة العادية(4).
التجارة الإلكترونية ومفاوضات منظمة التجارة العالمية:
كان موضوع التجارة الإلكترونية من الموضوعات الجديدة التى أثيرت لأول مرة فى المؤتمر الوزارى الثانى للمنظمة فى جنيف عام 1998، ولم تتمكن الدول المتقدمة من إدخال هذا الموضوع إلى دائرة المفاوضات متعددة الأطراف، وذلك بسبب الرفض القاطع من الدول النامية، التى كانت ترى أن الوقت لا يزال مبكرا للدخول فى التفاوض بشأن هذا الموضوع، خاصة فى ظل عدم فهم الدول النامية لأبعاد الموضوع(5). وقد تم إدراج هذا الموضوع ضمن المفاوضات التى بدأت تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، عقب مؤتمر الدوحة عام 2004، ولا يزال التفاوض متواصلا بشأنها حتى الآن. ومنذ عام 1998 وحتى عام 2010، والدول المتقدمة تطالب الدول النامية بضرورة الالتزام بعدم فرض رسوم جمركية على المعاملات التجارية الإلكترونية. ويستند موقف البلدان النامية إلى تخوف من تأثير هذا النوع من التجارة عليها للأسباب الآتية: 
1- إن قضايا التجارة الإلكترونية ليست قضايا تجارية بحتة، وإنما هى قضايا تكنولوجية، ومالية، ونقدية، ومعلوماتية، وثقافية، وقضايا أمن قومى. وفى عصر التجسس الاقتصادى والإغراق، وفى ظل سياسة تحطيم المنافسين، وتصدير الأزمات الاقتصادية، فإن التعامل مع بعض الأبعاد دون الأخرى يمثل خطورة على الدول النامية.
2- إن تعهد الدول النامية بعدم فرض رسوم جمركية على المعاملات التجارية الإلكترونية، فى ظل الانتعاش المتوقع لهذه التجارة خلال العقود القادمة، يعرضها لفقدان جانب كبير من الإيرادات السيادية التى تتحصل من الرسوم الجمركية، أو من بعض أنواع الضرائب الداخلية، مما سيؤثر على موازناتها. كما أن التزايد فى تدفق التحويلات من العملات الأجنبية، وصعوبة معرفة حجم هذه التدفقات التى تكون فى صورة تحويل لأموال إلكترونية مشفرة، من الصعب معرفة مصدرها أو حجمها، يزيد من صعوبة رسم السياسات النقدية فى الدول النامية، كما يمكن أن تؤدى هذه التدفقات إلى تقليل فاعلية السياسات المالية والنقدية فى بعض الدول. من ناحية أخرى، فإن أجهزة الرقابة على الصادرات والواردات فى هذه الدول النامية سوف تتعرض إلى ضغوط شديدة، بسبب اضطرارها للتعامل مع آلاف بل ملايين الرسائل اليومية المنقولة إلكترونيا، تصديرا واستيرادا، وغالبا استيرادا، وهو ما يتطلب الإسراع بتطوير العمل فى هذه الأجهزة، بشريا وتكنولوجيا وتشريعيا.
3- سوف تتزايد احتمالات تعرض أسواق الدول النامية للإغراق من خلال التجارة الخارجية الإلكترونية، وذلك بسبب الصعوبات الفنية التى تحول دون التقييم المناسب للمنتجات المحولة إلكترونيا، سواء من ناحية الكم أو القيمة، وهو ما قد يؤثر على فاعلية السياسات التجارية فى البلدان النامية.
4- سوف يكون لنمو حجم عمليات التجارة الإلكترونية دور فى تزايد المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، خاصة ما يتعلق بالعلامات التجارية المتشابهة فى الدول والأقاليم المختلفة. وكذلك، سيثور الخلاف حول الجهات المنوط بها حل مثل هذه المشاكل، وأيضا ستكون هناك صعوبات فى تحديد المنشأ الحقيقى للسلع المنقولة إلكترونيا، وهو ما يثير مشاكل فى الأحوال التى لا ينطبق فيها شرط الدولة الأولى بالرعاية المنصوص عليه فى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
5- تدرك الدول النامية أنه فى حالة انتشار التجارة الإلكترونية بين بلدان العالم على نطاق واسع، فإنها فى الغالب ستكون دولا مستوردة بالأساس أكثر منها مصدرة، حيث سيكون متاحا للأفراد وللمؤسسات فى الدول المتقدمة الوصول إلى عقول وجيوب الأفراد فى جميع دول العالم. وقد يؤدى ذلك إلى ضياع جزء كبير من حصيلة الدول النامية من النقد الأجنبى من شراء بعض السلع البسيطة أو المبتكرة، مما يؤثر على أسواق النقد فى تلك الدول.
6- هناك خطورة من استخدام الشركات الأجنبية أو الحكومات فى الدول المتقدمة للمعلومات الخاصة بالأفراد والشركات من الدول النامية لأغراض غير مشروعة، سواء كانت أغراضا تجارية أو غير تجارية، فسيكون الفرد فى الدول النامية عرضة لهجوم شرس من جانب مروجى الأفكار والأعمال غير الأخلاقية، إلى جانب احتمال تعرضه لعمليات نصب. كما قد تكون الشركات فى الدول النامية أكثر عرضة لعمليات التجسس الاقتصادى، كما قد تتعرض هذه الشركات لعمليات نصب أو لسرقة أفكارها. وانطلاقا مما سبق، فإن الدول النامية لا تزال مصرة على توفير ضمانات كافية من جانب الدول المتقدمة لمنع تأثرها السلبى من التجارة الإلكترونية، وضمان مساعدتها لتوفير متطلبات نفاذها إلى الأسواق الدولية عبر هذا النوع من التجارة.
متطلبات انتشار وتطوير التجارة الإلكترونية فى الدول النامية:
لا شك فى أن التجارة الإلكترونية من الممكن أن تلعب دورا مهما فى اقتصادات الدول النامية، حيث ترتبط بالتقدم التكنولوجى الذى يؤدى إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية فى المجتمع. وبالرغم من المخاوف التى تربط بين نمو التجارة الإلكترونية وتزايد معدلات البطالة فى الأعمال التقليدية التى لا تتطلب مهارات عالية، فإنها من ناحية أخرى تخلق فرصا وظيفية فى العديد من المجالات ذات الصلة بتطبيقاتها، مثل تصميم المواقع والمتاجر الإلكترونية، وفى قطاع المعلومات والاتصالات الذى تعتمد عليه. وهناك العديد من الأسباب لضعف التجارة الإلكترونية فى الدول النامية، ومنها ازدياد تكلفة استخدام الإنترنت، مما يمثل عبئا اقتصاديا. ويعد النقص فى تطبيق معايير الأمان والبروتوكولات المتصلة بالتجارة الإلكترونية فى هذه الدول سببا فى إحجام العديد من التجار ورجال الأعمال والمستهلكين عن التعامل إلكترونيا. كما أن هناك مخاوف ليس فقط من انتشار الفيروسات، ولكن أيضا من الاختراقات التى قد تمكن أطرافا خارجية من استغلال المعلومات الخاصة بالمنشآت، أو أرقام الحسابات المالية، فى عمليات غير مشروعة. كما يعتبر عدم الاعتراف من قبل بعض الجهات القضائية فى الدول النامية بالسجلات والتوقيعات والمعاملات الإلكترونية، وعدم الأخذ بإثباتاتها ومستنداتها فى حالة وقوع منازعات قضائية، من المعوقات المهمة أمام انتشار مثل هذا النوع من التجارة.
ويتطلب انتشار التجارة الإلكترونية ونموها وازدهارها توافر عدد من المتطلبات الضرورية والمهمة(9). ومن أهمها وجود شبكة اتصالات قوية وحديثة ومتطورة. وتمتلك الدول المتقدمة شبكة اتصالات متقدمة جدا ذات بنية أساسية وتحتية قوية، بالمقارنة بالدول النامية التى تفتقر إلى هذه الشبكة. ويوضح ذلك ما أشار إليه تقرير الاتحاد الدولى للمعلومات من أن نسبة ما تمتلكه الدول المتقدمة من أجهزة الحاسبات تبلغ نحو 95% على مستوى العالم بالمقارنة بنحو 5% للدول النامية. كما تمتلك نحو 20 دولة متقدمة تمثل نحو 0.2% فقط من سكان العالم أكثر من 75% من خطوط التليفون العالمية. ويشير إحصاء لمركز التجارة الدولى إلى أنه يوجد 2.5 خط هاتف لكل 100 شخص فى الدول النامية، مقابل 54 خطا فى الدول المتقدمة. كما أن تكلفة توصيل الإنترنت فى الدول الإفريقية تبلغ نحو 75 دولارا فى الشهر، مقابل 10 دولارات فى الولايات المتحدة، و15 دولارا للشهر فى بريطانيا. كما تحتاج التجارة الإلكترونية إلى الاستناد على اقتصاد متطور نسبيا ومتنوع ومرن، قادر على تلبية الطلب، سواء على المستوى المحلى أو المستوى الدولى. كما أنه من الضرورى وجود سلع وخدمات تحقق قيمة مضافة، يمكن للدولة تصديرها باستخدام الوسائل الإلكترونية.
ويجب على الدول النامية العمل على توفير قاعدة معلوماتية وطنية ذات مكون محلى، تربط بين مختلف الأقاليم التابعة للدولة. ويجب على الدولة أن تلعب دورا فاعلا فى تهيئة البيئة القانونية والتشريعية التى تعمل فيها التجارة الإلكترونية، بما يوفر عنصرى الثقة والأمان لدى المتعاملين فى هذا النوع من التجارة، وتوفير عناصر الوضوح والشفافية والمرونة، وعدم التمييز ومراعاة التقدم التقنى. وعليها فى الوقت نفسه أن تمنح القطاع الخاص دورا رئيسيا فى التنمية الاقتصادية، وأن تعتمد السياسات الملائمة لتنمية التجارة الإلكترونية. ويجب على الشركات والمصانع والمؤسسات الاقتصادية والبنوك وأجهزة الدولة المختلفة تدريب وتأهيل الكوادر الفنية للتعامل مع أجهزة الحاسب الآلى وشبكة الإنترنت، وتنفيذ عمليات التجارة الإلكترونية، وإعداد الدورات التدريبية المختلفة، سواء فى مجال الحاسبات الآلية أو اللغة الإنجليزية.
كما يجب أن تعمل السياسة التعليمية على إدماج الأساليب الإلكترونية ضمن المناهج التعليمية المختلفة، وتخريج الكفاءات التى يمكنها التعامل بالوسائل الإلكترونية الحديثة. وبشكل عام، يجب أن يتوافر عنصرا الأمان والثقة فى جميع مراحل التجارة الإلكترونية، والعمل على تأمين جميع حلقات التعامل التجارى لكل من البائعين والمشترين والبنوك وشركات التأمين.
التحديات التى تواجه توسع التجارة الإلكترونية على المستوى الدولى:
يواجه انتشار التجارة الإلكترونية على المستوى الدولى الكثير من التحديات. فعلى الصعيد المالى، هناك مشاكل تتعلق بكيفية تحصيل الرسوم أو الضرائب على المبادلات الإلكترونية، حيث من الطبيعى أن تدفع هذه التجارة ضرائبها فى بلدى المنشأ والاستهلاك، بحيث يتم الحصول على الضرائب المباشرة على أرباح الشركات العاملة فى هذه التجارة. لذا، فإن الأمر يتطلب من الدول وضع التنظيمات اللازمة لموضوع الضرائب، وصولا إلى نظام حديث للمعاملة الضريبية للسلع والخدمات التى يتم التعاقد عليها من خلال التجارة الإلكترونية، وذلك لتلافى حالات التهرب الضريبى فى مجال التعامل على بعض السلع التى يتم تسليمها إلكترونيا. وهناك تحديات تتعلق بحماية الملكية الفكرية، أى حماية حقوق المبدعين والمخترعين من سرقة إنتاجهم من خلال شبكة الإنترنت، الأمر الذى يتطلب ضرورة إصدار قوانين منظمة لحماية حقوق الملكية والعلامات والأسماء التجارية تراعى مستجدات التجارة الإلكترونية. كما يستلزم ضرورة الحفاظ على حقوق المنتجين، والحد من أعمال التهريب والتزوير من خلال تطوير القوانين الوطنية والدولية، وإصدار التشريعات الخاصة لتنظيم التجارة الإلكترونية. كما يمثل الحفاظ على سرية المعلومات المنقولة من خلال شبكة الإنترنت، وضمان عدم اختراق الشبكة والدخول إليها، ومعرفة الأسرار التى يتم التعامل من خلالها - وهو ما يعرف بظاهرة القرصنة عبر شبكات الإنترنت - تحديا كبيرا. وعلى الرغم من التقدم الهائل فى المجالات التقنية والمزايا والتسهيلات التى تتيحها التجارة الإلكترونية، إلا أن هذه المخاطر التى تتعرض لها التجارة الإلكترونية قد تحد من إقبال المؤسسات على الاعتماد كليا على شبكة الإنترنت فى إنجاز عمليات التبادل التجارى. وفى هذا الإطار، تشير إحصائية لمؤسسة التمويل الدولية إلى أن 24% من الشركات العاملة فى الدول النامية تشكو من بطء التبادل عبر الإنترنت، وأن نحو 13% منها تجد هذه العملية معقدة، فى حين أن نسبة 11% ترى أن التجارة الإلكترونية غير آمنة، الأمر الذى يستدعى ضرورة تطوير شبكة الاتصالات، لكى تؤدى بشكل أفضل إلى تنشيط التجارة الإلكترونية. من ناحية أخرى، يعتبر عدم الاعتراف بالرسائل أو البيانات الإلكترونية، كإثبات لأحد التحديات التى تواجه تطبيق التجارة الإلكترونية، الأمر الذى يستدعى ضرورة وضع قواعد وشروط قانونية لرسائل التجارة الإلكترونية، على أن تتعلق بالنواحى الآتية:
1- أن يكون للبيانات الواردة فى رسالة البيانات حجيتها، وألا تفقد صحتها أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها فى شكل رسالة بيانات إلكترونية.
2- توافر الشروط الشكلية لرسالة البيانات.
3- اعتبار المعلومات الواردة فى رسالة البيانات مستندا أصليا، مادام وجد ما يدل على صحة البيانات والمعلومات فى حالة إنشائها للمرة الأولى، باعتبارها رسالة بيانات.
وقد كان للتجارة الإلكترونية فى الوقت نفسه بعض الأضرار، حيث أثرت سلبا على بعض الأنشطة، مثل تجارة الكتب والمطبوعات، حيث أسهمت التجارة الإلكترونية فى الحد من نشاطها بشكل كبير، بعد أن أصبح شراء وتداول الكتب والمطبوعات والدوريات وغيرها يتم عبر شبكة الإنترنت. كما ساعدت هذه التجارة على تزايد بعض الأعمال غير المشروعة، والمتمثلة فى عمليات غسل الأموال، والسرقات، وعقد صفقات الأسلحة للجماعات الإرهابية، وتجارة الأعضاء البشرية، وغيرها من الأعمال تحت ستار التجارة الإلكترونية.
إن تطوير نظم المعاملات المالية المستخدمة فى تطبيقات التجارة الإلكترونية، والتى تهدف إلى تسهيل عمليات سداد قيم المشتريات عبر شبكة الإنترنت إلكترونيا بطرق تتيح للمشترى الدفع الآلى لقيم مشترياته وكذلك للبائع الحصول على حقوقه، يعتبر أيضا أحد التحديات التى تواجه تطبيق هذا النوع من التجارة. وتعانى معظم الدول من عدم تطبيق نظم المدفوعات اللازمة للقيام بالعمليات المصرفية الداعمة للتعاملات الإلكترونية بشكل سريع وآمن، وكذلك عدم وجود أطر تشريعية تحكم التنظيمات والأحكام الخاصة بالأمور المالية التى يحتاج إليها هذا النوع من التجارة.
وفى النهاية، يمكن القول إن التجارة الإلكترونية ستستمر فى الانتشار والتوسع، وستصبح أكثر تأثيرا فى التجارة الدولية، وفى العلاقات الاقتصادية العالمية. ومن ثم، فإن مصالح الدول النامية تقتضى سرعة التوصل إلى صيغة متوازنة مع الدول المتقدمة تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، بحيث يتوافر لها متطلبات النهوض بالتجارة الإلكترونية، وضمانات توزيع عادل لعوائد هذه التجارة فى المستقبل. وبدون ذلك، ستظل التجارة الإلكترونية وعوائدها حكرا على الدول المتقدمة، وسيظل الخلاف بين الطرفين قائما دون حل لتصبح التجارة الإلكترونية محورا إضافيا فى الصراع التجارى والتكنولوجى بين الشمال والجنوب.
الهوامش:
(1) ميساء العلى، حجم التجارة الإلكترونية، جريدة الثورة السورية، 12 يونيو 2009.http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=748640920090711211932
(2) مركز الشرق الأوسط للاستشارات، أثر التجارة الإلكترونية على الاقتصاد الوطنى، مرجع سابق، ص 62.
(3) د. محمد عرفة، متطلبات التجارة الإلكترونية والتنظيم القانونى، جريدة الاقتصادية السعودية، عدد 20 فبراير 2009.
(4) مجلس الغرف السعودية، التقرير الاقتصادى، العدد رقم 15، الرياض، يوليو 2009 ، ص 17.
(5) د. مغاورى شلبى على، مستقبل الاقتصادات العربية فى ظل النظام التجارى الدولى.. رؤية عربية فى ظل أجندة الدوحة للتنمية، دار النهضة العربية، القاهرة 2006، ص 222.
 

ليست هناك تعليقات: